top of page
  • Writer's pictureحسين حسن

ما هو الذكاء الإصطناعي؟


في خمسينات القرن الماضي، أُستخدِم مصطلح الذكاء الإصطناعي لأول مرّة، في رسالة قدّمها العالم الأمريكي جون مكارثي إلى جامعة دارتمُث. كانت الرسالة طلباً يسأل فيه مكارثي إذن الجامعة لإقامة ورشةٍ يدرس فيها التقنيّة الدارجة التي سمّاها بالـ"ذكاء الإصطناعي". بدأت من هناك قصّة المجال، والتي ما زلنا نعيش بداياتها. مرّ منذ نشوء المجال سبعة عقود، إتّسعت خلالها قدرات الذكاء الإصطناعي لتضمّ مختلف القطّاعات؛ الطبّ والفنّ والرياضة والفضاء. رغم هذا النجاح، فقد رافق سوء الفهم شعبيّة المجال المتزايدة. فيحاطُ الذكاء الإصطناعي اليومَ بصورٌ عن رجالٍ آليّين دفعت بها أفلام الخيال العلمي، وتحذّر عناوين الأخبار من الات قد تستحوذ على وظائفنا. لكن أين يقع الذكاء الإصطناعي في الحقيقة من كلّ هذا؟



ما هو الذكاء الإصطناعي؟


الذكاء الإصطناعي، بإختصار، هو البرامج القادرة على القيام بمهامّ معقّدة تتطلّب بالعادة مستوى ذكاء بشريّ لتأديتها، مثل لعب الشطرنج وقيادة السيّارات وإستخدام اللغة. من أجل تحقيق ذلك، تطوّر البرامج بإستخدام خوارزميّات تحاول محاكاة ذكاء الإنسان، وتستلهم طرق عملها في الكثير من الأحيان منه.


تستخدم الخوارزميّات الذكيّة إستراتيجيّات مختلفة لبلوغ أهدافها، أحد أهمّها هو التعلّم، والذي تندرج خوارزميّاته تحت مجال يُدعى بالتعلّم الآلي Machine Learning. في التعلّم الآلي، تصمّم الخوارزميّات على إتّخاذ قراراتٍ أو عمل تنبّؤات عن طريق التعلّم من البيانات. على سبيل المثال، تقوم خوارزميّات يوتيوب بتحليل بيانات مشاهداتك السابقة، فتستخلص أنماطا يمكن من خلالها التنبؤ بما ستودّ مشاهدته لاحقا. هكذا، يزوّدك اليوتيوب بإقتراحات تقبض على إهتمامك لساعات. غزت هذه التقنيّة الإنترنت، وصارت اليوم الحجر الأساس لكلّ أنظمة الإقتراح؛ من وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك إلى منصّات البثّ مثل نتفلكس.


تستخدم بعض الخوارزميّات التعلميّة تقنيّة تحاكي طريقة عمل الشبكات العصبيّة في دماغ الإنسان، تسمّى تلك الخوارزميّات بـ"الـشبكات العصبيّة الإصطناعيّة" Artificial Neural Networks، و يسمّى المجال الذي يضمّ تلك الخوارزميّات بـ"الـتعلّم العميق" Deep Learning. تُُستَخدَم خوارزميّات التعلّم العميق لمعالجة المشاكل التي تتطلب قدراتَ تعلّمٍ عالية، مثل برامج قيادة السيّارات الآليّة (كما في سيّارات تيسلا) و برامج المساعد الصوتي (مثل سيري وأليكسا).




 لا يقتصر الذكاء الإصطناعي على هذا التقسيم، بل انه لا يقتصر حتّى على التعلّم. يضمّ المجال عدّة مجالات فرعيّة ضمنه، ويتداخل بدوره مع الكثير من المجالات الأخرى. بغضّ النظر عن التقسيم أو التسمية، يمكن أرجاع ذكاء أيّ خوارزمية إلى قدرتها على إتمام مهمّة معقّدة على نحو جيّد.



من رقعة الشطرنج إلى كلّ مكان


يمكن لبرامج الذكاء الإصطناعي اليوم موازاة الإنسان في أداء الكثير من المهام، وتتفوق عليه في بعضها، لكنّ كلّ برنامج يظلّ محدوداً بنطاق المهارات الذي صمّم لأدائه. على سبيل المثال، في التسعينات، قامت شركة IBM بتطوير برنامج قادر على لعب الشطرنج يُدعى DeepBlue، إستطاع هذا البرنامج التغلّب على كاسباروف - بطل العالم للشطرنج. لكن، على خلاف كاسباروف، فأنّ ذكاء DeepBlue إقتصر على الشطرنج فقط، لم يستطع البرنامج إستخدام اللغة أو الطبخ أو شدّ رباط الحذاء. كذلك الحال مع كلّ برامج الذكاء الإصطناعي الحاليّة؛ تمتلك البرامج ذكاءً حادّا في مواضيع محدّدة، لكنّها تفتقر لوسع نطاق الذكاء البشري. فتسمّى المرحلة الحاليّة من الذكاء الإصطناعي بـ"الذكاء الإصطناعي الضيق" Narrow Artificial Intelligence.


يتلخّص البحثُ في المجال اليوم بتطوير برامج ذكاء ضيّق، مثل برامجٍ متخصّصة بتشخيص السرطان وأخرى تقتصر على الترجمة. على أي حال، يتوقّع أغلب خبراء المجال أن الإستمرار في هذا الطريق سيؤدي حتماً إلى بزوغ نوع جديدة من الذكاء الإصطناعي، توازي فيه الخوارزميّات ذكاء الإنسان من ناحية العمق والتنوّع، وتسمّى تلك المرحلة بـ"الذكاء العام الإصطناعي" Artificial General Intelligence. عندها، ستمتلك الخوارزميّات قدرات تعلّمٍ وتأقلمٍ عالية تمكّنها من حلّ أيّ مشكلة تواجهها على طول الطريق. بذلك، ستمثّل البرامج الذكيّة في ذاك الوقت مرشّحا لإستبدال الإنسان في أي مجال.  يمتدّ خيال البعض أبعد من ذلك، ويتصورون مستقبلا تتجاوز فيه الآلات قدرات البشر الذهنيّة، تُعرف هذه المرحلة من الذكاء الإصطناعي بالذكاء الخارق Superintelligence.



"لو بالهدف لو بالنجف"


كم يفصلنا عن بلوغ الذكاء العام الإصطناعي؟ وكيف سيتعامل الإنسان مع مزاحمة الآلات له على قمّة هرم الذكاء؟ هل ستستبدلنا الروبوتات في المستقبل، أم تساعدنا في تعزيز سيدتنا على الأرض، وربما نشرها نحو بقيّة الكواكب؟ تقع إجابات الأسئلة هذه خلف ستار المستقبل المُسدل. يصعب تصوّر شكل المجال خلال العقد القادم، وتزداد تخميناتنا سخفاً كلّما حاولنا توقّع مستقبل أبعد. رغم ذلك، فأنّ إستكشاف هذه الأسئلة يقع على رأس أجندةِ البشريّة في القرن الواحد والعشرين. فأن الإمكانيّات التي يعد بها الذكاء الإصطناعي تجعَلُ من هذه التقنيّة قوّة ثورية ستعيد تشكيل العالم؛ إمّا كنعيم تساعد فيه الآلات الإنسان في سعيه نحو أهدافه، أو أرضاً تخلو من أي أثرٍ للبشريّة.


يعتمد السيناريو الذي سيجد طريقه إلى المستقبل على القرارات التي نتّخذها اليوم أثناء تطويرنا للتقنيّة. بالتحديد، يعتمد الأمر على الأهداف التي نوجّه برامجنا لحلّها، والإعتبارات الأخلاقيّة التي تؤطّر عمل تلك البرامج. لذلك، فان الذكاء الإصطناعي يجب أن لا يُقدّم كمجال تقنيّ يُعنى فيه المبرمجين فقط، بل محادثة مفتوحة يخوضها البشر سويّاً لكتابة الفصل القادم من قصّتهم!




bottom of page